أصبحت حلول تأجير العمالة خيارًا استراتيجيًا لكثير من الشركات الكبرى التي لديها مواسم تشغيل، وتحتاج فيها إلى ضخ عمالة مؤقتة بأعداد كبيرة، كخيار متاح وله مزايا عظيمة. ولكن هذا الحلّ قد يواجه تحديات في دمج هؤلاء العمالة مع الموظفين الثابتين لتجنب العراقيل والتحيزات في بيئة العمل. وفي هذه المقالة نقدم لك 5 استراتيجيات و5 تكتيكات عملية لكي تحقق هذا الدمج بنجاح.
أولًا، يجب بناء ثقافة جمعيّة داخل الشركة تشمل العمالة المؤقتة والموظفين الثابتين

غالبًا ما تكون قِيَم الشركة عبارة عن جُمَل مرتبة في المحتوى التعريفي، شكلية ومجردة وغير معمول بها، أو معمول بها ولكنها غير معروفة للموظفين.
هذه القيم يمكن استغلالها بشكل أفضل بكثير، فكل فرد في الشركة ينضم إلى الفريق بأفكار خارجية ومعتقدات غريبة وطريقة تنشئة مختلفة عن الآخرين، وقد تتطور اختلافات بسيطة إلى صراعات كبيرة. فهناك من يميل إلى توكيد صلاحياته وسلطته في الشركة، وهناك من يركز على زيادة إنتاجيته في عمله بغض النظر عن الجودة، وهناك من يهتم بالجودة ولا يهتم بساعات العمل ومعدل الإنتاجية، وهناك من يؤمن بالعمل الجماعي، وهناك من يطمح إلى النجاح الفردي فقط.
وهنا يأتي دور قيم الشركة في إنشاء أفكار جديدة لدى الفريق، تحسن من جودة أفكارهم وتساعدهم على العمل معًا بطريقة أكثر انسجامًا، وتعلو على قيمهم الفردانية داخل بيئة العمل.
فليس الابتكار والجودة الاستثنائية فقط هي ما يجب إضافته إلى قيم الشركة، وإن كانت هذه القيم تصلح في معاملات الشركة مع المستثمرين والعملاء، أما القيم الداخلية التي يتعامل بها أفراد الفريق، فقد يكون منها الآتي:
- تعزيز فكرة القيمة المضافة: ماذا تضيف لزملائك في فريق العمل، وماذا تضيف للشركة؟
وإجابة هذا السؤال هي أن تُقبَل كافة المساهمات، الصغيرة والكبيرة، فقد يكون إضافة فرد من العمالة المؤقتة هي مجرد أن يحمل عن الفريق همّ تنظيف مكاتبهم، ولكن الفريق لا يستطيع العمل في غير وجوده، فهو مؤثر وفعّال ودوره محوري، مهما بدى بسيطًا. عامل النظافة في الفريق قد يكون دوره فقط توفير بيئة عمل نظيفة ومريحة. ولكن الفريق فعلًا لن يستطيع العمل إلا في بيئة نظيفة ومرتبة.
ولا يعني ذلك تقدير المساهمات الصغيرة وعدم تقدير المساهمات الكبيرة للمدراء والقيادين، بل إعطاء كل موظفي وكل عامل التقدير الذي يستحقه على إنجازه في مساحة عمله.
- توكيد التميّز بأشكاله المختلفة والمتنوعة لدى العمالة المؤقتة وموظفي الدوام
شكل واحد من التميز الذي تم توكيده والثناء عليه داخل الشركة، قد يتسبب في نزاعات أنت في غنىً عنها. كأن تمدح أحد أفراد فريق المبيعات على كثرة الصفقات … فقط. أو تمدح أحد أفراد الفريق الإداري على تحقيق الأهداف السنوية … فقط. هذا النوع من التميّز الفردي قد يدفع آخرين غير المميزين بنفس الميزة إلى عرقلة الفرد المميز بها. وهنا يجب أن تمدح التميّز بأنماطه المختلفة، ولا تحصر التميّز في الفريق على نمط واحد أو جانب محدود.
ثقافة الاحترام المتبادل والتقدير الشامل للمساهمات تساعد في خلق بيئة عمل إيجابية حيث أظهرت بعض الدراسات التي أجرتها جامعة ستانفورد أن الاعتراف الرسمي وغير الرسمي بمساهمات جميع الموظفين بغض النظر عن نوع عقدهم يزيد من الشعور بالانتماء والالتزام المؤسسي.
تستطيع توكيد تميّز أحد أفراد الفريق في سرعة إنجازه لمهامه اليومية، وآخر على لبقاته مع زملائه وتوفير أجواء عمل محفزة، وآخر على التزامه بمواعيد الحضور والانصراف. وهكذا. وحاول دائمًا أن تمدح الموظف أو العامل المستأجر في جانب يستطيع تطويره وتطوير مهمته الوظيفية من خلاله.
- تعزيز الوضوح والعدالة في المعاملة مع جميع أفراد الفريق، سواء عمالة مؤقتة أو ثابتة
لبيئة عمل متناغمة، لا بُدّ أن تكون الثقافة الداخلية للشركة قائمة على الوضوح والعدالة، وضوح المهام، تحديد الصلاحيات، وضوح مسارات الترقيات، ووضوح المزايا الوظيفية المشتركة التي يستطيع الجميع الوصول إليها سواء موظفين دائمين أو عمالة مؤقتة.
تشير بعض الأبحاث إلى أن غموض الأدوار وعدم المساواة في المعاملة بين الموظفين، هو السبب الرئيسي لزيادة النزاعات في بيئة العمل، فهو أمر يتطلب سياسات واضحة تحدد توقعات الأداء من كل موظف أو عامل، والمزايا التي يستطيع الحصول عليها عند الوصول إلى هذه التوقعات.
- الاستثمار في التنمية المهنية المستمرة لجميع الموظفين حتى العمالة المؤقتة
لا بُدّ من بناء ثقافة التعلم المستمر، فالشركات التي توفر فرص تدريب متساوية تحقق معدلات أعلى في الاحتفاظ بالموظفين، المؤقتين والدائمين. ولكن كيف تستطيع تحقيق هذه المعادلة مع وجود فريق عمالة مؤقتة بتعاقد قصير الأجل؟ من خلال التدريبات المهنية التي تطورهم وتسرع عجلة الإنتاج، فليس من الضروري أبدًا أن تكون التدريبات مطولة وعميقة وأكاديمية، بل قد يكون تدريبًا على مهمة واحدة تزيد من إنتاجية الشركة بشكل كبير.
- الموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية والاهتمام بالعائلة
المرونة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية أصبحت من المتطلبات الأساسية للقوى العاملة الحديثة وفقًا لتقرير معهد المستقبل للعمل. الضغوطات الحياتية جزء لا يتجزأ من حياة الموظفين وشخصياتهم، ولا شك أنه يساهم في طاقتهم الإنتاجية وفي طريقة استقبالهم للأمور داخل العمل وإن حاولوا غير ذلك.
فقد يحضر موظف إلى الدوام، ولديه ضغط لسبب أو لآخر في حياته الشخصية، فيؤدي إلى خسارات غير متوقعة في العمل، أو يؤدي إلى وقوع خلافات كبيرة بينه وبين أفراد الفريق. ولذلك، فإن وجود سياسات مرنة تستوعب توازُن الموظف في حياته الشخصية، وتهتم لذلك، وتثقف الموظفين بأهمية هذا التوازن، هو أمر ضروري، قد يجنبك تدهور الإنتاجية، ويزيد من فعالية الموظف، ويقلل من معدلات الدوران، وكذلك يقلل الخلافات بين أفراد الفريق.

ثانيًا، إليك 5 تكتيكات عملية لدمج العمالة المؤقتة مع الموظفين الدائمين
1. تحديد أدوار كلٍ من العمال المؤقتة والموظفين الثابتين بوضوح
مثلًا، تستخدم بعض الشركات عقود توضيح المهام بين العمال المؤقتين والفرق الدائمة، وتقوم بتحديد مهام كل طرف بدقة، وتُدرج بنودًا للتعاون المشترك بين العمال المؤقتين والثابتين، وبين فريق العمالة المؤقتة وبعضهم، والموظفين الثابتين وبعضهم.
2. سياسات يتساوى فيها العمالة المؤقتة والعمال الدائمين
على سبيل المثال، توفر بعض الشركات الوجبات المجانية لجميع العمال، وكذلك مواقف السيارات على سواء للعمالة المؤقتة والدائمة، وقد تخصص بعض الشركات دورات تدريبية مشتركة لكلا الفئتين كذلك.
3. تعزيز انتماء العمالة المؤقتة
تقوم بعض الشركات بإشراك العمال الموسميين في اجتماعات التخطيط الاستراتيجي، وتُعلن عن مساهماتهم في تحقيق أهداف الشركة السنوية، وتثني ثناء حقيقيًا (وليس مفتعلًا) على الجوانب الإيجابية في أدائهم، وقد يؤدي ذلك إلى تخفيض معدلات ترك العمل بالشركة بنسب تصل إلى 20%.
4. نظام المرشد – Mentor
بعض الشركات تقوم بتعيين موظف من العمالة الثابتة ليكون مرشدًا لعامل من فريق العمالة المؤقتة خلال أول أسبوع عمل، ليعرفه أكثر على الشركة، وعلى أفراد فريق العمل وأدوارهم في قسمه، وعلى الأقسام المتعلقة بعمله، وعلى الأماكن الضرورية له خلال العمل وخلال الاستراحة. الأمر الذي يعزز الترابط بين الفئتين، ويعزز من تعاونهم في العمل.
5. خلق فرص للتواصل الاجتماعي
وذلك من خلال تنظيم أنشطة وفعاليات مشتركة خارج إطار العمل، وتشجيع الترابط الإنساني بين الموظفين المؤقتين والثابتين، لبناء روابط تزيد من تعاونهم المهني وتعزز من روح الفريق والعمل الجماعي، وبالتالي يتيد من الإنتاجية، وتهيئ أجواء عمل ملائمة للجميع.
ختامًا، فإن دمج فريق من عمالة مؤقتة مع فريق من الموظفين الثابتين ليس رفاهية إدارية، ولكنه ضرورة استراتيجية، وتكمن في معالجة بعض التحديات من جذورها من خلال منهجية متكاملة. والأهم من ذلك كله هو أن ندرك العمالة المؤقتة ليست مجرد أرقام، بل هم شركاء في تحقيق النجاح، فقد يساهم واحد منهم في تحقيق نجاحات غير مسبوقة في الشركة، بخبرته أو مهاراته الاستثنائية.
في النهاية، النجاح لا يقاس فقط بالأرباح، بل ببناء بيئة عمل صالحة وصحية، يشعر فيها الجميع بأنهم أعضاء فريق واحد، لكل منهم قيمة يضيفها، وتقدير يحصل عليه ويستحقه.
مصادر:
- Stanford University study recognition temporary workers institutional belonging.
- Harvard Business Review، 2022.
- International Labour Organization – ILO.
- Future of Work Institute، 2023.